المهدي حكمة الله المتناهية التي لا ينالها الا ذو حظ عظيم.
لاشك ان في الحكمة الإلهية أمور شديدة الخفاء لا يدركها الا الحكيم الذي ألهمه الله عز وجل من علمه المخزون ، ولا ينالها الا ذو حظ عظيم ممن افنوا ذواتهم وتخلقوا بأخلاق الله وأدوا جميع التكاليف وابتعدوا عن كل ما نها الله عنه من محرمات ومكروهات ، واستعدوا بنفوسهم لتلقي الفيض الإلهي الخاص المطلق وأصبحوا من المقربين لمولاهم الحق ، وحجزوا مقعد صدق عند مليك مقتدر في قيادة العالم عند ظهور منقذ البشرية الذي ينتظره جميع الأنبياء والمرسلون لإقامة الحق والعدل والمساواة بين جميع خلق الله عز وجل.
فالمهدي المنتظر الذي يظهر في نهاية الزمان, ويظهر الإسلام على الدين كله ويبسط العدالة الشاملة على الأرض هو المرشح الوحيد لهذه المرتبة من الكمال .
"هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ..." فهذه الاية وردة في ثلثة سور ولكن في اختلاف أواخرها " ولو كره الكافرون _ ولو كره المشركون _ ولو كره الفاسقون .
فإن وجود خليفة الله التام الكامل من الضرورات الوجودية التي لا يمكن تصوّر عدمها, فيجب أن يظهر الإنسان الكامل الذي تتجلى في شخصه هوية الله الوجودية بتمام كمالها, كي يتحقق مصداق خلافة الله في الأرض وحمل الهوية تماماً كما يتحقق على النطفة مصداق إنسان كامل عندما تخرج من القوة إلى الفعل وتظهر كل هوية الإنسان دونما نواقص, فكما تظهر هوية الموجودات بتمام كمالها في نهاية المطاف وبعد سلسلة من مراحل النمو والتكامل , كذلك تظهر هوية الله في الإنسان الكامل بتمام كمالها في نهاية الزمان وبعد سلسلة من النمو والتكامل ,
النقطة هي هوية الله الوجودية التي تنتزع منها جميع الهويات الوجودية الظاهرة والباطنة على السواء .
ظهوره في الأرض:(
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة
الروح منسوب إلى الله, فإن لحظة نفخ الروح في آدم عليه السلام إنما كانت لحظة ظهور الله - بمقام الظاهر- في كيان الإنسان, وهي بلا شك لحظة جليلة عظيمة تستحق سجود جميع الملائكة والكائنات العاقلة, وكلنا نعلم ان ظهور هوية الله في آدم عليه السلام كان في تجلّى أسماء الله في شخصه, فهذا ما يؤكده قوله تعالى مجده:
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا
فان أسماء الله هويته , وتعليمها لآدم كان بانتقالها إلى كيانه لحظة النفخ .
لان الله المطلق لا يمكن أن يظهر في مقام الظاهر بذاته في النشأة , بل يظهر نموذج مصغّر لهويته الوجودية يطلق عليه القرآن تسمية أمانة وحامل هذا النموذج ( الأمانة) يسميه القرآن خليفة, وليس آدم وحده خليفة الله في الأرض , بل جميع أبناء آدم خلفاء يحملون هوية الله ( الأمانة) على قدر استعدادهم ومرتبة كمالهم, بدليل قوله ..
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً
فجميع الناس خلفاء لله في الأرض تتجلى فيهم هوية الله على حسب استعدادهم ودرجة كمالهم, وكلما كان الإنسان أكثر كمالاً كلما كان أقرب إلى الهوية الكاملة التامة( اقرب إلى الله), وهكذا تمتد الدرجات من اللاكمال إلى كل الكمال وهو الأقرب إلى الله ومظهر لتمام هويته تعالى مجده في الأرض , فدرجة الكمال التام لا بد بل يجب أن تظهر في النشأة لتكون مصداق لكمال الله في مقام الظاهر
فإن لحظة نفخ الروح في آدم عليه السلام إنما كانت بداية ظهور هوية الله ( الخلافة) وليست كل الظهور , أي كانت بمثابة غرس البذرة في التراب, وخلال عملية نمو وتكامل الحياة على الأرض بواسطة الأنبياء كانت الخلافة في الأرض تنمو وتتكامل وتظهر سمات هوية الله في الإنسان بالتدريج ,
فان القرآن فيه ، " تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ"
, وهو إلى اليوم لم تظهر جميع حقائقه بتمام كمالها, ولم تطبّق أحكامه في جميع أقطار الأرض , فإن النمو والتكامل لم ينته بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أدى دوره على أتم ما يكون, بل هو مستمر وينتشر يوماً من بعد يوم , وسيظهر كل الكمال في نهاية المطاف عند إظهار الإسلام على الدين كله و بسط العدالة الشاملة على كوكب الأرض على يدي المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام .
فمرتبة الكمال التام يجب أن تظهر في النشأة لتكون مصداقاً لكمال الله في مقام الظاهر , وهي مرتبة القائم بأمر الله ( المهدي المنتظر) الذي تتجلى في شخصه هوية الله بتمام كمالها.
هوية مطلقة متعددة المراتب تمتد إلى غير المتناه
والكون مظهر لهويته تعالى مجده, فإن مقام الباطن في هويته يجب أن يكون له مصداقاً ظاهراً في النشأة,
فإن هوية الله- بمقام الظاهر- يجب أن تظهر في النشأة بتمام كمالها
( في شخص القائم بأمر الله) ومن المحال أن لا تظهر , والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة في آيات كثيرة نذكر منها .
"هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ"
في هذه الاية لم يقل: بظلل من الغمام والملائكة , مما يعني إن هوية الله سوف تظهر في الأرض وأول ما تظهر تكون محاطة بالغمام والملائكة , ولما كانت هناك أحاديث كثيرة متواترة بلغت الآلاف تؤكد ظهور المهدي المنتظر في نهاية الزمان ليملاً الأرض قسطاً وعدلاً , ولم تشر إلى شخصية أخرى , فإن هوية الله التي تأتى محاطة بالغمام والملائكة تتجلى في شخص المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام , واعلم أن الآية فيها مضاف محذوف تقديره القائم بأمر,
ايات اخرى بحق بحقه (عج):
"هلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ"
"هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ"
"إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ"
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً"
"وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ"
حمل الهوية قانون كوني عام , تظهر في النشأة من خلال حركة النمو والتكامل , فإنها ليست حالة جامدة, بل متحركة تنمو وتتكامل باطراد كما تنمو وتتكامل النشأة وعناصرها الحية والجامدة, وعلى هذا فإن الخليفة المتأخر يكون أكثر كمالاً من المتقدم , وآخر خليفة لله في الأرض هو الأكثر كمالاً الذي تتجلى في شخصه كل سمات هوية الله بتمام كمالها ،
ولهذا قال تعالى ( السابقون السابقون اؤلئك المقربون ، ثلة من الأولين وقليل من الآخرين)،
فهؤلاء حجزوا مقاعدهم عند الامام المهدي (عج) لقوله تعالى "في مقعد صدق عند مليك مقتدر " والمليك المقتدر هو منقذ البشرية عليه السلام .
لان هذه الهوية خلقت من نور الحضرة الإلهية وتقدست مضافة ظاهرا مخفيا للذات القدسية وأضافت الميم لها وأصبحت الذات المقدسة ، والميم الدال على سيد الكائنات حبيب رب العالمين محمد (صلى الله عليه وآله ) الذين خلقوا في عالم الأمر دون غيرهم . وعالم الأمر اعلى مرتبة من عالم الخلق ، كما ان هوية الله الأزلية والأبدية تظهر في الموجودات بأسماء وصفات وأفعال ,
ولهذا صرح اهل بيت الله (صلوات الله عليهم) بانهم اسماء الله الحسنى التي أمروا ان يدعوا بها ويتقربوا لله في دعواتهم وصلواتهم
.
واني اضع بين ايديكم البحث الكامل من " الشاهد والمشهود من احداث اليوم الموعود" وانصح جميع المؤمنين بالتمعن فيه لوجود بعض اسرار الله في حجته وخليفته .
منتديات نور العترة
noraletra.com/vb/showthread.php