http://www.resaltona.net/inf/articles.php?action=show&id=274
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
والصلاة والسلام على اشرف خلق الله محمد وآله الطيبين الطاهرين
اعرض عليكم من البحوث الخاصة في دراستي عن السير الاستكمالي في طريق التكامل لجميع الخلق
نبدأ بعون الله تعالى :
نحن جميعنا نعلم بان الكمال لله عز وجل وحده ، ولكن الله اوجد الكمال ولكن لم يوجب الوصول ،
(فليس ثمة شيء بعد الوجود الا كماله ).
اي ان كل مسير للبشرية هو كمال سواء كانت حركة او سكون ،
فمثال ذلك :
ان التاجر يسير في طريق تكامله وهو زيادة تجارته وكسبه ،
وكذلك العامل يتكامل بعلو منصبه ،
والفقيه يتكامل بزيادة علمه ،
والساحر يتكامل بمقدرته النفسية وسيطرته على المخلوقات الاخرى ( وان كان هذا التكامل تسافلي ).
فليس هناك من توقف ، اي ان كل من يمتلك ظلال صفات الحق وجب بالوجوب الكوني
ان يتكامل سواء كان انسان او جماد ، فكل مخلوق يختار طريق التكامل الذي
يناسب ارادته واستعداده ،
ولكن كل هذه الطرق ليست هي المطلوب وذلك لانها متناهية ولا توصل الانسان الى غايته الحقيقية ،
واعني غاية الروح الواقعية ،وهذه الغاية هي ارادة الحق ،
فطريق العرفان هو احد هذه الطرق لكنه يختلف عنها بأمور عديدة ،
اهمها : انه هو التكامل الحقيقي الذي يجني المنفعة الحقيقية والدائمة للانسان فضلا عن انها ارادة الحق وارادة الروح ،
نأخذ مثال على ذلك ، ان اهم شيء لدينا في الدين هو علم الشريعة وهو اطول
الماديات والمعنويات عمرا"، ولكن هذا العلم يسقط في الآخرة ولا يستفيد منه
صاحبه في الآخرة ، نعم له ثواب ، اي هنا حده الكمالي اما فائدة فعلية
مباشرة ودائمة فهذا غير ممكن ، حيث ان في الجنة وهي المراد تسقط التكاليف،
فليس من حلال او حرام علما" ان الجنة ليست هي منتهى الجزاءهذا فضلا عن
الطرق الاخرى والتي هي مادون ذلك ، واعلم ان لو اخفى الحق طريق العرفان
لأصبح الوجود عبث في عبث ،
وانا على يقين من ان لايدرك ذلك الا من تجرد من النظرة المادية التي قيدت الاستعداد البشري
والتي اوصلت البشرية الى ماهي عليه الآن من المآساة هذا
وانا مسؤول عن كل ما أقول وان حسابي لأشد من حساب غيري
حقيقة الايمان بمعرفة طريق القرب الالهي
قال امير المؤمنين ( ع )
دواؤك فيك ولا تبصر وداؤك منك ولا تشعر
اتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
وانت الكتاب المبين الذي بآياته يظهر المضمر
وقال عليه السلام
(مسحة من المعرفة خير من كثير من العمل ، وما هما الا كالنية والعمل ،والفضل للنية ،او كالروح والجسد ،والفضل للروح).
اخوتي الموالين :
لا تتوهم بان انحصار طريق القرب الى الله بالعبادة المعلومة ،
من صلاة وصيام وتلاوة قرآن والتعلم والتعليم واستعمال الادعية والزيارات ونحو ذلك .
بحيث يكون كل ماخرج عن ذلك لغوا وتضيعا للعمر فيما لا فائدة به كما ظنه كثير من الصلحاء،
فان ذلك قصور واشتباه .
والمراد من هذا الطريق هو تقوية البصيرة يطيعوه بالبصيرة التامة والمعرفة الكافية وزيادة الفطنة .
ومن اقتصر على العبادات التي ذكرناها وقصر نظره منها يغلب عليه الجمود وتقل فطانته بالموضوعات الشرعية.
فكلما سرحت نظرك في تعلم شيء من الصناعات المحسوسة ،
فتح لك ابوابا من العلم في المعقولات ,
لان الله عز وجل قد ربط المحسوسات بالمعقولات ،
والامور الاخروية بالامور الدنيوية ،
فمن اراد الامور الاخروية بغير الامور الدنيوية لم يتيسر له ذلك ،
فقد جعل الله تعالى الامور الاخروية لا تتم الابالدنيوية ،
وجعل الدنيا المقصود بها التوصل الى الاخرة محسوبة من الاخرة
ولا تدخل في مذام الدنيا ،
وكذلك ورد في الحديث انه:
( ملعون من ترك آخرته لدنياه ، ملعون ملعون من ترك دنياه لآخرته).
(ففروا الى الله اني لكم منه نذير مبين)
كل من خاف من احد هرب منه الا الخائف من الله سبحانه فانه يهرب اليه .
وقوله (ص) في الحديث القسدسي:
(لا اطلع على قلب عبدي ،فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي وابتغاء وجهي ،
ال توليت تقوبمه وسياسته ).
عن المفضّل: قال
قلت لأبي عبدالله عليه السلام :
كيف كنتم حيث كنتم في الأظلّة ؟
فقال: يا مفضل، (كنا عند ربّنا ليس عنده أحد غيرنا في ظلّة خضراء نسبّحه
ونقدّسه ونهللّه ونمجده. وما من ملك مقرّب ولا ذي روح غيرنا، حتى بدا له
في خلق الأشياء فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم. ثم أنهى علم ذلك
إلينا).
والأخبار من طريق أهل البيت عليهم السلام بهذا المضمون كثيرة. فشهود هذا
المقام أو التحقق به لا يتيسّر إلا بعد التدرج في مراقي التعيّنات فقبل
الوصول إلى هذا المقام يرى السالك بعض الأسماء الإلهية أبهى من بعض،
كالعقول المجردة والملائكة المهيمنة، فيسأل بأبهى وأجمل وأكمل. فإذا وصل
إلى مقام القرب المطلق وشهد الرحمة الواسعة والوجود المطلق والظلّ المنبسط
والوجه الباقي، الفاني فيه كلّ الوجودات والمستهلك فيه كلّ العوالم من
الأجساد المظلمة والأرواح المنوّرة، يرى أن نسبة المشيّة الى كلّها على
السواء فهي مع كلّ شيء
{أيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْه اللَّه} {وَهُوَ مَعَكُم{ونَحْنُ أَقْرَب إِلَيْه مِنكم
{ونحن أقرب اليه من حبل الوريد} فعند ذلك ينفي الأفضلية.
فالهيولى لخسّة وجودها ونقصان فعليّتها دار الوحشة والظلمة ومركز الشرور
ومنبع الدناءة ويدور عليها رحى الذميمة والكدورة.فهي لنقصان وجودها وضعف
نوريتها
كالمرأة الذميمة المشفقة عن استعلان قبحها، والدنيا لوقوعها في نعال الوجود
وأخيرة تنزّلاته يدعى بأسفل السافلين وإن كانت بنظر أهلها بهيّة حسناء لذيذة، لأنّ كلّ حزب بما لديهم فرحون.
فإذا ظهر سلطان الآخرة وانكشفت الحقيقة بارتفاع الحجب عن بصيرة القلب
وتنبّهت الأعين عن نوم الغفلة وبعثت الأنفس عن مراقد الجهالة وعرفت حالها
ومرجعها ومآلها وانكشفت ذميمتها وقبحها وظلمتها ووحشتها.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(يحشر بعض الناس على صور تحسن عندها القردة والخنازير). وهذا الكمال
الحيواني والخير البهيمي والسّبُعي أيضا من بركات الوجود وخيراته ونوره
وبهائه.
فكلّما خلص الوجود من شوب الاعدام والفقدانات واختلاط الجهل والظلمات يصير بمقدار خلوصه بهيّاً حسناً.
فالعالم المثال أبهى من ظلمات الطبيعة، وعالم الروحانيات والمقرّبين من
المجردات أبهى منهما، والعالم الربوبي أبهى من الكل، لخلوصه عن شوب النقص
وتقدّسه عن اختلاط الأعدام وتنزّهه عن الماهيّة ولواحقها، بل لا بهاء إلاّ
منه، ولا حُسن ولا ضياءَ إلا لديه.
فهو تعالى بهاء بلا شوب الظلمة، كمال بلاغبار النقيصة، سناء بلا اختلاط
الكدورة، لكونه وجوداً بلا عدم وإنّيّة بلا ماهية، والعالم باعتبار كونه
علاقة ومنتسباً إليه وظلّه المنبسط على الهياكل الظلمانية والرحمة الواسعة
على الأرض الهيولائية، بهاء ونور وإشراق وظهور،
{قُلْ كُلٌ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه
وظلّ النور نور{ألَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدّ الظِّلَ}
وباعتبار نفسه هلاك وظلمة ووحشة ونفرة،
{كُلّ شيءٍ هالِكٌ إلاّ وَجْهَه}.
فالوجه الباقي بعد استهلاك التعيّنات وفناء الماهيات،
هو جهة الوجوب المتدلّية إليه التي لم تكن مستقلّة بالتقوُم والتحقّق ولا حكم لها بحالها،
فهي بهذا النظر هو.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله:
(لو دليتم الى الأرض السفلى لهبطتم على اللّه).
فهو هو المطلق والبهاء التام لا هوية ولا بهاء لغيره والعالم بجهته
السوائية لم يكن له البهاء والهوية ولا الوجود والحقيقة، فهو خيال في خيال
والكليّ الطبيعي غير موجود. فإذا لم يكن موجوداً فكيف يكون له البهاء
والنور والشرف والظهور، بل هو النقصان والقصور والهلاك والدثور.
السير والسلوك هو طريق القرب الالهي والتقرب الى الله تعالى والنهل من فيضه الخاص من علوم اهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، والذي ينبع من روح الاسلام وليس الجسد
اي بمعنى آخر هو التعمق بباطن القرآن وتاويله اي من الاصول بعد الانتهاء من الفروع ، وهذا الطريق المعني بالصراط المستقيم ومعرفة الناس بعلم التوحيد الخالص حيث يوصلنا بمعرفة الله معرفة حقة عن طريق الامام والرسول (ص) ،
وهذا الامر كان مفروض على جميع المسلمين في زمن الرسول الكريم (ص) وهو ما لا يطيق تحمله الكثير من المؤمنين ، والرسول (ص) يعلم بذلك ولكن خلقه منعه من ان يسأل الله تعالى رفعه على من لا يطيقونه ، ولهذا قال (ص) شيبتني سورة هود ، لان فيها جبر وواجب على الجميع سلوك هذا الطريق الصعب ، وان الله تعالى امره بالسير والاستقامة في هذا الطريق وقوله تعالى (واستقم كما امرت ) وفيه الجهاد الاكبر هو جهاد النفس حيث قال تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)
ثم علم الله تعالى بما يضيق صدر الرسول (ص) عندما قال
(شيبتني سورة هود) فرفع الباري هذا الامر هو السير في طريق الاستقامة
فقال تعالى (ولو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا)
(لأ كلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم ) اي الرزق المادي من الارض والمعنوي من السماء
وبقي الامر متروك لمن لديه الاستعداد والقابلية في السير والسلوك في هذا الامر والذي يدعى الطريق الى الله تعالى وهو الصراط المستقيم ، الذي قال عنه امير الموحدين
( احد من السيف وارفع من الشعره) لان فيه مقامات صعبة المنال لمتناول الجميع ، وبقي محصور لمن يستطيع تحمل مشاق الطريق المسمى ذات الشوكة ، مع العلم بان الجميع سوف يدخلون هذا العلم والسير في هذا الطريق عند ظهور حجة الله تعالى (عج) اما الذين دخلوا هذا الطريق بارادتهم وصبرهم على تحمل الصعاب ونيل الكمال هم السابقون والمقربون لحجة الله عج عن الظهور وهم اقل القليل ،
لقوله تعالى :
(السابقون السابقون اؤلئك المقربون ، ثلة من الاولين وقليل من الآخرين) ولهم موقع ومكان ومكانة لدى حجة الله عج لقوله تعالى ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) وهذا الامر لا يكون الا للفرد الذي صبر على البلاء وترك ملاذ الدنيا حيث قال تعالى
(وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم )
وقد اشار القرآن الى حقيقة هذا الطريق في قصة الخضر وموسى (عليهما السلام) في سورة الكهف
وايضا ارشدونا ائمتنا عليهما السلام على هذا السلوك في احاديث وخطب بعضها بيناها في مواضيع سابقة ، وكما قال امير الموحدين (ع)
( سلوني قبل ان تفقدوني ان لفي جنبي علما آه لو اجد له حمله )
فكان يتأوه لعدم وجود من يتحمله من صحابته الاجلاء في ذلك الزمان ، لانه لو كان علم فقه اوتشريع لما اخفاه ولما قال آه لو اجد له حملة (اي يستطيعون حمل هذا العلم )
وقال (ع) ( لو تعلمون ما اعلم مما طوى عنكم غيبه ، لخرجتم الى الصعدات تلدمون على انفسكم ولتركتم اموالكم واولادكم لا حارس لها ، ولحم كل امرىء بنفسه....)
اما قول الامام السجاد (ع) (جوهر علم لو بحت به لكفروني وعلى يد المسلمين لذبحوني ، والله لاكتم من علمي جواهره ..)
والحمد لله رب العالمين
صادق الموسوي
مدير المكتب السياسي
تجمع العراق الجديد